فصل: الشاهد الثالث والستون بعد السبعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.الخبر عن سعادة العالم بالسنة في رياح ومآل أمره وتصاريف أحواله:

كان هذا الرجل من مسلم إحدى شعوب رياح ثم من رحمان منهم وكانت أمه تدعى خضيبة وكانت في أعلى مقامات العبادة والورع ونشأ هو منتحلا للعبادة والزهد وارتحل إلى المغرب إلى المغرب ولقي شيخ الصالحين والفقهاء لذلك العهد بنواحي تازة أبا إسحق التسولي وأخذ عنه ولزمه وتفقه عليه ورجع إلى وطن رياح بفقه صحيح وورع وافر ونزل طولقة من بلاد الزاب وأخذ بنفسه في تغيير المنكر على أقاربه وعشيرته ومن عرفه أو صحبه فاشتهر بذلك وكثرت غاشيته لذلك من قومه وغيرهم ولزم صحابته منهم أعلام عاهدوه على التزام طريقته كان من أشهرهم:
أبو يحيى بن أحمد بن عمر شيخ بني محمد بن مسعود من الزواودة وعطية بن سليمان بن سباع شيخ أولاد سباع بن يحيى منهم وعيسى بن يحيى بن إدريس شيخ أولاد إدريس وأولاد عساكر منهم وحسن بن سلامة شيخ أولاد طلحة بن يحيى بن دريد بن مسعود منهم وهجرس بن علي من أولاد يزيد بن زغبة ورجالات من العطاف من زغبة في كثير من أتباعهم والمستضعفين من قومهم فكثر بذلك تابعه واستظهر بهم على شأنه في إقامة السنة وتغيير المنكر على من جاء به واشتد على قاطع الطريق من شرار البوادي ثم تخطى ذلك إلى العمار فطلب عامل الزاب يومئذ منصور بن فضل بن مزني بإعفاء الرعايا من المكوس والظلامات فامتنع من ذلك واعتزم على الإيقاع به فحال دونه عشائر أصحابه وبايعوه على إقامة السنة والموت دونه في ذلك.
وآذنهم ابن مزني في الحرب ودعا لذلك أمثالهم ونظراءهم من قومهم وكان لذلك العهد علي بن أحمد بن عمر بن محمد قد قام برياسة أولاد محمد وسليمان بن علي بن سباع قد قام برياسة أولاد يحيى واقتسموا رياسة الزواودة فظاهروا ابن مزين على مدافعه سعادة وأصحابه المرابطين من إخوانهم وكان أمر ابن مزني والزاب يومئذ راجعا إلى صاحب بجاية من بني أبي حفص وهو الأمير خالد ابن الأمير أبي زكريا والقائم بدولته أبو عبد الرحمن بن عمر وبعث إليه ابن مزني في المدد فأمده بالعساكر والجيوش وأوعز إلى أهل طولقة بالقبض على سعادة فخرج منها وابتنى بأنحائها زاوية ونزل بها هو وأصحابه ثم جمع أصحابه المرابطين وكان يسميهم السنية وزحفوا إلى بسكرة وحاصروا ابن مزني سنة ثلاث وسبعمائة وقطعوا نخيلها وامتنعت عليهم فرحلوا عنها ثم أعادوا حصارها سنة أربع وسبعمائة وامتنعت ثم انحدر أصحاب سعادة من الزواودة إلى مشايتهم سنة خمس وسبعمائة وأقام المرابط سعادة بزاويته من زاب طوقة وجمع من كان إليه من المرابطين المتخلفين عن الناجعة وغزا مليلي وحاصرها أياما وبعثوا بالصريخ إلى ابن مزني والعسكر السلطاني مقيم عندهم ببسكرة فأركبهم ليلا مع أولاد حرب من الزواودة وأصبحوا سعادة وأصحابه على مليلي فكانت بينهم جولة قتل فيها سعادة واستلحتم الكثير من أصحابه وحمل رأسه إلى ابن مزني.
وبلغ الخبر إلى أصحابه بمشايتهم فظهروا إلى الزاب ورؤساؤهم أبو يحيى بن أحمد ابن عمر شيخ أولاد محرز وعطية بن سليمان شيخ أولاد سباع وعيسى بن يحيى شيخ أولاد عساكر ومحمد بن حسن شيخ أولاد عطية ورياستهم جميعا راجعة لأبي يحيى بن أحمد ونازلوا بسكرة وقطعوا نخيلها وتقبضوا على عمال ابن مزني فأحرقوهم في النار واتسع الخرق بينهم وبينه ونادى ابن مزني في أوليائه من الزواودة واجتمع إليه علي بن أحمد شيخ أولاد محمد وسليمان بن علي شيخ أولاد سباع وهما يومئذ أجلاء الزواودة وخرج إبنه علي بينهم بعساكر السلطان وتزاحفوا بالصحراء سنة ثلاث عشرة وسبعمائة فغلبهم المرابطون وقتل علي بن مزني وتقبض على علي بن أحمد فقادوه أسيرا ثم أطلقه عيسى بن أحمد رعيا لأخيه أبي يحيى بن أحمد.
واستفحل أمر هؤلاء السنية ما شاء الله أن يستفحل ثم هلك أبو يحيى بن أحمد وعيسى بن يحيى وخلت أحياء أولاد محرز من هؤلاء السنية وتفاوض السنية فيمن يقيمونه بينهم في الفتيا في الأحكام والعبادات فوقع نظرهم على الفقيه أبي عبد الله محمد بن الأزرق من فقهاء مقرة وكان أخذ العلم ببجاية على أبي محمد الزواوي من كبار مشيختها فقصدوه بذلك وأجابهم وارتحل معهم ونزل على حسن بن سلامة شيخ أولاد طلحة واجتمع إليه السنية واستفحل بهم جانب أولاد سباع واجتمعوا على الزاب وحاربوا علي بن أحمد طويلا.
وكان السلطان أبو تاشفين حين كان يجلب على أوطان الموحدين ويخيب عليهم أولياءهم من العرب يبعث إلى هؤلاء السنية بالجوائز يستدعي بذلك ولايتهم ويبعث معهم للفقيه أبي الأزرق بجائزة معلومة في كل سنة ولم يزل ابن الأزرق مقيما لرسمهم إلى أن غلبهم على أمرهم ذلك علي بن أحمد شيخ أولاد محمد وهلك حسن بن سلامة وانقرض أمر السنية من رياح ونزل ابن الأزرق بسكرة فاستدعاه يوسف بن مزني لقضائها تفريقا لأمر السنية فأجابه ونزل عنده فولاه القضاء ببسكرة إلى أن هلك سنة.
ثم قام علي بن أحمد بهذه السنية بعد حين ودعا إليها وجمع لابن مزني سنة أربعين وسبعمائة ونزل بسكرة وجاءه مدد أهل ريغ وأقام محاصرا لها أشهرا وامتنعت عليه فأقلع عنها وراجع يوسف بن مزني وصاروا إلى الولاية إلى أن هلك علي بن أحمد وبقي من عقب سعادة في زاويته بنون وحفدة يوجب لهم ابن مزني الرعاية وتعرف لهم أعراب الفلاة من رياح حقا في إجازة من يجيزونه من أهل السابلة وبقى هؤلاء الزواودة ينزع بعضهم أحيانا إلى إقامة هذه الدعوة فيأخذون بها أنفسهم غير متصفين من الدين والتعمق في الورع بما يناسبها ويقضي حقها بل يجعلونها ذريعة لأخذ الزكوات من الرعايا ويتظاهرون بتغيير المنكر يسرون بذلك حسدا في ارتقاء فينحل أمرهم بذلك وتخفق مساعيهم ويتنازعون على ما تحصل بأيديهم ويعترفون على غير شيء والله متولي الأمور لا إله إلا هو سبحانه يحيى ويميت.